السيدة نائلة بنت الفرافصة ذات حسن وبهاء قلّ نظيره...أسلمت مع إخوتها دون أبيها الذي بقي نصرانياً.
خطبها أمير المؤمنين عثمان بن عفان رضي الله عنه، فقبل به والدها ورحّب بهذا الزواج، تمّ الزواج، فكانت أكرم زوجة وأوفى لأكرم زوج.
وكانت إلى جانب جمالها ذكية حصيفة عاقلة، تبذل النصح السديد لزوجها، في وقت كان فيه عثمان بن عفان رضي الله عنه ريشة في مهب الريح، تعصف به الزوابع من كل مكان، فقد كانت ثورة عارمة ضده، تريد قلعه من جذوره.
وفي ليلة ظلماء، تسلل بعض الرجال إلى بيت أمير المؤمنين، سيوفهم تلمع ظمأى لدم الأمير، فلما رأت السيدة نائلة هذا المنظر المريع، صرخت وشدت شعرها، وركضت إلى زوجها تذود عنه وهي المرأة الضعيفة المهيضة الجناح.
فأهوى رجل من المتآمرين بسيفه البتّار على عثمان، فأسرعت نائلة وألقت بجسمها على زوجها تحميه من السيف، فقطع السيف أناملها، وجزءاً من كفها، ثم وضع هذا الرجل العلج رأس سيفه في بطن عثمان، فأمسكت نائلة السيف لتبعده، فقطع أناملها، ودخل السيف في بطن عثمان فقتله، ولّى القتلة الأدبار، فهرولت نائلة تصيح: قتل أمير المؤمنين.. قتل أمير المؤمنين..
وبعد دفن عثمان بن عفان رضي الله عنه ذهبت نائلة إلى مسجد رسول الله صل الله عليه وسلم ووقفت تخطب في جموع المسلمين خطبة رائعة بليغة مؤثرة، أبكت الناس وبكت معهم.
وبعد إنقضاء عدتها، خطبها معاوية بن أبي سفيان وغيره من كبار الصحابة، وهكذا كانوا يفعلون قديماً لكبرائهم، يكرمونهم بعد موتهم بالزواج من نسائهم، ولكن نائلة بقيت على وفائها لزوجها، ولم تقبل الزواج من أحدهم، مع أنها كانت في مقتبل العمر، ورائعة الجمال، وقد قالت قولتها المشهورة:
ـ إني أرى الحزن يبلى كما يبلى الثوب، وإني خفت أن يبلى حزني على عثمان.
ثم أخذت حجراً كبيراً وكسرت به أسنانها وشفتيها، وبذلك شوّهت جمالها، حتى لا يخطبها أحد من الرجال.
أكرمْ بها من زوجة وفية لزوجها حياً وميتاً، ونبراساً لنا نهتدي بهديها، رضي الله عنها وأرضاها.
المصدر: مجلة الفاتح.